c
صوت الشباب

محمد أيمن: وما خفيَّ في الجامعات أعظم

الجامعة بشكل عام هي المنارة التي تعتمد عليها المجتمعات في تشكيل وجدانها ورفع مستوى الوعي العام بين أفرادها، وخريجو الجامعات هم الأمل لكل دولة ومجتمع نحو الإصلاح والتقدم والرقي، ولكن في حقيقة الأمر هذه أمنيات وأحلام للكثير منا ولم تتحقق إلا في حالات نادرة، وفي الواقع يختلف المجتمع الجامعي من الخارج جذريا عن ما يدور بداخله، وما يحدث داخل أسوار الجامعات تشيب له الولدان إن عُرض وتسلطت عليه الأضواء، ولكن يظل مخفيا عن ساحات الرأي العام بحجة أن هذه هي الجامعات مصانع الفكر والإبداع ولا يحق لأحد نقدها، دون أن نعرف إلى متى سنظل هكذا؟.

عايشت خلال فترة دراستي ومشاركتي في الأنشطة والاتحادات الطلابية ومن ثم تخصصي في العمل الصحفي في ملف التعليم العالي، العديد من الإيجابيات والأزمات والقصص الإنسانية ووقائع الفساد بمختلف أنواعه التي لا تتسع المجلدات لسردها، ولكنى أؤكد أن من بين أساتذة الجامعات من يتعاملون بمنتهى التواضع والرقي والاحترام وهؤلاء عرفتهم ولمست فيهم صفات العلماء الحقيقية، بل شهدت بأم عيني بعضهم ينفق على غير القادرين من الطلاب ماله الخاص بكل حب، وعلى الجانب الآخر هناك فئة من أساتذة الجامعات يتعاملون مع طلابهم بمبدأ السلطة العُليا، وللأسف مستقبل الطالب هو الحبل الذي يلتف حول رقبته، إن اشتكى أو اعترض واجه العنصرية وربما لم يتخرج أو تضيع عليه سنوات في الرسوب أو التخرج دون “درجات أعمال السنة”.

واجهت أكثر من مشكلة وتعدٍ على حقوق الطلاب، ولكن حينما يدخل الأمر في إطار التحقيق والإجراءات الرسمية نجد أغلبهم يفضل التراجع والتسامح في حقه، خوفا من بطش الأستاذ وهذه وجهه نظر أولياء أمورهم أيضا، ومن هنا تتراكم القوة ويبدأ الغرور وشهوة السلطة يتملكان الأستاذ، وتتزايد الجرائم والتعديات المسكوت عنها تحت مسمى “مستقبل الطالب”، ولا أعرف أي مستقبل هذا الذي يقوم على الانكسار والخوف والفزع، فبدلا من أن نعلمهم الشموخ وعزة النفس والكرامة نكسر نفوسهم بكل أريحية وندربهم على الخوف والخضوع والتنازل.

لدينا قانون لتنظيم العمل داخل الجامعات، ولا شك في ذلك لكن تشوبه الكثير من الثغرات ويجب أن يتجدد ويعاد النظر في كل بنوده مراعاة للعصر الذي نعيشه حاليا، وأعتقد أن البرلمان لن يغفل عن ذلك خلال الأيام القادمة.

تحرش وتنمر صريح والنتيجة لا شيء

وفي الآونة الأخيرة ظهرت عدة واقع للرأي للعام أعتقد أن سبب ظهورها هو التطور التكنولوجي الذي وصلنا إليه ودور وسائل التواصل الاجتماعي في سرعة نشر الأخبار وتوفير مساحة أكبر من الجمهور والمتابعين، كان أبرزها واقعة أستاذ كلية العلوم بجامعة الإسكندرية الذي أثار خبر ترقيته الجدل على صفحة الجامعة لاعتراض ما يقرب من 250 ألف متابع وهم بكل تأكيد ليسوا جميعا من طلاب الكلية، بل أغلبهم من طلاب جامعات مختلفة يعانون من مضايقات وتعنت في كلياتهم ولكنهم لا يستطيعون البوح بذلك «خوفا على مستقبلهم»، فانتهزوا فرصة منشور كلية العلوم ليهاجموا الأستاذ بصفته وليس بشخصه، بكل تأكيد الأستاذ محل الواقعة لا يستحق كل ذلك ولكنه قدر له أن يجسد دور الأستاذ الجامعي بصفته وحدث ما حدث، ولكن المدهش في الأمر أن وزارة التعليم العالي لم تهتم بالموقف وتدرس أبعاده باعتباره “شارة” لما يحدث داخل الجامعات، ومع موضة التريندات تجاوزت الوزارة والجامعة الواقعة وكأن شيئا لم يكن، وسبقتها واقعة صفع أستاذ بكلية الآداب جامعة بنى سويف طالبة وانتهى الأمر بإيقاف الأستاذ عن العمل وتحرير محضر بقسم الشرطة، وواقعة تحرش أستاذ بهندسة عين شمس بطالبة ولكن لتكرار الأمر لم تخشَ على مشروع تخرجها ومستقبلها واستغاثت بالسوشيال ميديا بعد شهور من شكواها لإدارة الكلية، وظهر لنا مؤشر جديد يتمثل في فتاة جامعة طنطا التي تعدى عليها مراقبو اللجنة الامتحانية بسبب فستانها وأصولها الإسكندرانية على حد وصفها، وبناء عليه أحالت الجامعة الواقعة للنيابة العامة وفق بيانها الرسمي، وليست واقعة التنمر والتمييز الأولى لجامعة طنطا فمنذ عام حدثت مشادة شهيرة بين طالبة وأستاذها بكلية الحقوق بالجامعة ذاتها وعلى مسمع ومرأى من آلالاف الطلاب، وأهان الأستاذ الطالبة وسخر منها، والمقصد هنا أن الوقائع تتكرر في الجامعات ذاتها بل وربما في نفس الكليات والإجراءات روتينة بحته، وإن بحثنا وراء أعضاء هيئة التدريس المتهمين في الوقائع السابقة لوجدناهم داخل المدرجات يمارسون عملهم وكأن شيئا لم يكن بسبب الثغرات القانونية.

غياب القانون الرادع يضمن استمرارية الفساد

وقائع متعددة لن تنتهى ما لم يكن هناك قانون رادع، ومعلن بشكل صريح، قانون يضمن للطالب حقه وكذلك للأستاذ، قانون يضمن الشفافية في التحقيقات وتطبيق العدالة، وآليات مراقبة من قبل الكليات والجامعات ووزارة التعليم العالي تضمن للطالب الحق في الشكوى دون انتقام أستاذه منه أو المساس بمستقبله، وهو ما أثق في قدرة الدولة المصرية على إنجازه في وقت قصير خاصة وأنها أحدثت طفرات لا مثيل لها في مجالات حقوق الإنسان وتوفير حياة ومعيشة كريمة له، ونعيد النظر أيضا في معايير تعيين أعضاء هيئة التدريس فالتفوق الدراسي وحده لا يعد معيارا فكم من متفوق دراسي ضعيف نفسي انتهى به الأمر للتطرف وما على شاكلته، لابد من معايير نفسيه كاختبارات القدرات ومتابعة بامتحانات وتقييمات دورية للتأكد من حالة الأستاذ المسؤول عن إعداد ثروات الأمة البشرية، كل ذلك إذا أردنا حقا مجتمعا سويا، وأجيالا قادرة على العطاء والإبداع وتحمل المسؤولية، سنوات الجامعة تشكل وجدان ووعي المواطن فلا بد أن نراعى ذلك جيدا، واحلم كغيري بجامعات مصرية تنافس كبريات الجامعات الدولية في إنتاج أجيالا من حملة لواء الوعي يكونوا عونًا للوطن لا عبئًا عليه.

بقلم/ محمد أيمن سالم

صحفي متخصص في ملف التعليم العالي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى