c
غير مصنف

عمرو فاروق يكتب: بل كانوا إخوانًا وكانوا مسلمين

في الثامن من ديسمبر 1948، أصدر رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي باشا، قرار رقم (63)، بصفته الحاكم العسكري للبلاد، بحل جماعة الإخوان وجميع شعبها، بتهمة “التحريض والعمل ضد أمن الدولة”.

كان قرار النقراشي بحل جماعة الإخوان، الذي مضي عليه سبعون عامًا، ردًا على العديد من أعمال العنف التي انتهجها الإخوان، مثل القبض على عدد من عناصر النظام الخاص (الجناح المسلح) في منطقة المقطم يتدربون على السلاح، والمفرقعات والقنابل اليدوية، وبحوزتهم كميات كبيرة منها، في 19 يناير1948، إضافة إلى اغتيال القاضي أحمد الخازندار في 22 مارس 1948، على يد عناصر النظام الخاص، وهم: محمود سعيد زينهم، وحسن محمد عبد الحافظ، وقيدت هذه القضية برقم(604 / 1948) جنايات حلوان، وهو ما اعتبره “البنا” تصرفًا فرديًا لا يعبِر عن الجماعة.

20 يوما كانت هي المسافة الفاصلة بين القرار الأول لحل جماعة الإخوان، وعملية اغتيال النقراشي باشا، في 28 ديسمبر 1948، على يد الإخواني عبد المجيد أحمد حسن، الطالب بكلية الطب البيطري، الذي كان مرتديًا زي ضابط أدى التحية للنقراشي، وأطلق عليه ثلاث رصاصات سقط على إثرها صريعًا.

من باب التضليل وخداع الرأي العام، أصدر مؤسس الإخوان، حسن البنا، بياناً عقب هذا الحدث بعنوان “هذا بيان للناس”، أثنى فيه على “النقراشي”، واستنكر اغتياله وتبرأ من قاتليه، لتهدئة الرأي العام ضد الجماعة.

لكن لم تمض أيام قليلة حتى قام النظام الخاص بالتخطيط لتفجير محكمة الاستئناف بمنطقة باب الخلق في وسط القاهرة، في 16 يناير 1949، ليصدر البنا بعدها بيانه الشهير بعنوان: “ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين”، لتبرأة الإخوان من الحادث الإجرامي.

[ads1]

حتى كتابة هذه السطور مازالت جماعة الإخوان تدفع عن نفسها الاتهام باغتيال النقراشي باشا، مثلما ذكروا في موسوعتهم التَّاريخية: “لقد أصبحت حادثة مقتل النّقراشي باشا، محل اتهام لجماعة الإخوان المسلمين حيث استغلها أعداؤهم في تشويه صورة الجماعة دون تمحيص لهذا الحادث، ولم يسأل أحد ممن كتب فيها وكال الاتهامات، هل هو حادث وافقت عليه الجماعة والإمام البنا أم لا؟ وهل العنف من منهج الجماعة أم أنه حادث فردي قام به فرد واحد، في وقت لم يكن للجماعة كيان حيث كان كل القادة في المعتقلات والجماعة قد حلت”. (موسوعة الإخوان المسلمين التاريخية).

لكن الكثير من المرجعيات التاريخية للإخوان وثقوا في مذكراتهم التي سطروها حقيقة تورط الجناح المسلح للإخوان في مقتل النقراشي باشا، وغيره من عمليات الاغتيالات التي نفوذها.

ويشير محمود الصباغ أحد أعضاء النظام الخاص، في كتاب “حقيقة التنظيم الخاص”، : “لا يمكن أن نعتبر قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية فهو عمل فدائي صرف قام به أبطال الإخوان”.

بينما يوضح مستشار النظام الخاص، ومؤسس جهاز مخابرات الإخوان، الدكتور محمود عساف، في كتابه (مع الإمام الشهيد حسن البنا) صفحة 163: “بادر النقراشي بإصدار القرار بحل الإخوان، ومصادرة جريدتهم ومطابعهم وشركاتهم وكافة ما يملكون، وكانت حجته في الحال هو قضية السيارة الجيب”.

“كان بعض الإخوان، في ذلك الوقت في السجن متهمين في قضية السيارة الجيب، كما كان بعضهم مقبوضا عليه في قضايا تسمى بالأوكار، وكان الباقي من الإخوان المعروفين للمباحث العامة رهن الاعتقال بالهايكستب ثم الطور، ومع ذلك فقد كان هناك من أعضاء النظام الخاص عدد طليق لا تعرفهم أجهزة الشرطة”.

“ومن هذه المجموعات مجموعة أحمد فؤاد، الذي كان ضابطا بالشرطة ضمن تنظيم الوحدات التي كان يشرف عليها الصاغ صلاح شادي، وضمت المجموعة كل من محمد مالك يوسف وشفيق أنس، وعاطف حلمي، وعبد المجيد حسن، ومحمود كمال، وقرروا قتل النقراشي جزاء على حله جماعة الإخوان”.

“وقد رسم أحمد فؤاد خطة قتل النقراشي ونجح عبدالمجيد أحمد حسن في مهمته بعد أن تنكر في زي ضابط بوليس، لكن من الذي قتل النقراشي؟ لا شك أنهم أولئك الذين يسروا قتله ودفعوا قتلته وحجبوا التوجهات الحكيمة عنه، إنهم رجال الشرطة ومحرضوهم من الوزراء ورجال السرايا لتفكيرهم العقيم”!.

ويشير هنا المفكر الإسلامي الدكتور عبد الفتاح عساكر، في أحد مقالاته، قائلاً: (قال لي أحد كبار الإخوان، كان الشيخ البنا ضيفاً عندنا في حلوان، وعندما علمت بحادث قتل النقراشي دخلت عليه وقلت له في أذنه همساً “النقراشي باشا قُتل” فقال لي هامساً “مسكوا الوله” بلهجة العوام، يقصد هل قبضت الشرطة على الولد الفاعل).

كما يؤكد حقيقة تورط الإخوان في عملية اغتيال النقراشي باشا، أحمد عادل كمال، عضو النظام الخاص، وأحد المتورطين في قضية السيارة الجيب، في 15 نوفمبر 1948 ، في كتابه “النقط فوق الحروف.. الإخوان المسلمون و النظام الخاص”: “أصدر النقراشي أمرا عسكريا بحل جماعة الإخوان ولم تنقض ثلاثة أسابيع حتى سقط قتيلاً في عرينه بوزارة الداخلية برصاص الإخوان، وقد أفصح عبدالمجيد أحمد حسن الذي اغتاله أسباب قتله بأنها بسبب تهاونه في شأن قضية وحدة مصر والسودان وخيانته لقضية فلسطين واعتداؤه على الإسلام بحل الإخوان”.

و يقول صلاح شادي، مسؤول قسم الوحدات داخل الإخوان(قسم معني بتجنيد ضباط الجيش والشرطة)، في كتابه “حصاد العمر”: “ومن هنا نستطيع تصور وقع قرار الحل على نفوس الإخوان لندرك ما تلا ذلك من أعمال أسفرت عن مقتل النقراشي بواسطة أحد الإخوان”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى